المداومة على الأعمال الصالحة

الخطبة الأولى

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.

ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ [آل عمران].

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ [النساء].

ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ [الأحزاب].

أما بعد؛ فإنَّ أصدق الكلام كلام الله b، وخير الهدى هدى محمدٍ g، وشَرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعةٌ، وكل بدعةٍ ضلالةٌ، وكل ضلالةٍ في النار.

 عباد الله، مَن تصور أنه في هذا اليوم قد انتهى شهر رمضان، وأنَّ الأعمال الصالحة لا فائدة منها، فعليه أنْ يراجع نفسه، فنحن في أفضل أيام هذا الشهر، ولا تدري أخي الفاضل لعل ليلةً من الليالي القادمة أنْ تكون هي ليلة القدر، فعلينا أنْ نجتهد في طاعة الله b، وأنْ نُطبِّق قول الله c: ﭑ ﭒ [آل عمران: ١٣٣]، وﮋ    [الحديد: ٢١]، فبادر وسارع لنيل فَضْل الله b.

 ومِن رحمة الله c بنا أنَّ الله b لم يُكَلِّفنا بأعمالٍ شاقةٍ، بل الطاعات والحسنات عبارةٌ عن أعمالٍ يسيرةٍ بإذن الله b فيها الأجر العظيم مِن الله c.

 انظر إلى هذه الآية، وانظر إلى هؤلاء الذين مدحهم الله b، ماذا يقول الله b عن هؤلاء: ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ [آل عمران: ١٩١]، إذا استطعت أنْ تذكر الله b وأنت قائمٌ تُصَلِّي فهذا أمرٌ طيبٌ، فالصلاة مِن أعظم أنواع الذكر لله b، إذا عجز الإنسان عن أنْ يصلي، فإذا جلس فليذكر الله وليقرأ القرآن، فإذا عجز أيضًا عن ذلك وهو مضطجعٌ نائمٌ على فراشه فليذكر الله c وله الأجر مِن الله b.

قال نبينا g للصحابة الكرام: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ كُلَّ يَومٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ؟» فالصحابة استغربوا وكيف يكسب الإنسان في كل يومٍ ألف حسنةٍ؟ قال g: «يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ، فيُكْتَبُ له أَلْفُ حَسَنَةٍ، أَوْ يُحَطُّ عنْه أَلْفُ خَطِيئَةٍ»[1].

وهذه التسبيحات لا تأخذ منك إلا دقائق معدودةٍ، ولكن أين مَن يسارع لنيل فَضْل الله b، فعلينا أنْ نبادر.

أيضًا عباد الله مِن أعظم طرق الأجر أنْ تقرأ كلام الله c، قال عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه وأرضاه: «مَنْ أَحَبَّ القُرْآَنَ فَلْيُبشِر»[2]، يبشر بماذا؟ بالأجر والفضل والحسنات، وتكفير السيئات، وانشراح الصدر، وطمأنينة البال، وكل المبشرات الطيبة ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ [طه]، فإذا أردت السعادة والبعد عن الشقاء عليك بتلاوة القرآن الكريم.

 يقول عبد الله بن مسعودٍ رضي الله تعالى عنه وأرضاه: «إِنْ كَانَ المُسْلِمُ يُحِبُّ القُرْآنَ فَهُوَ يُحِبُّ الله وَيُحِبُّ النَّبِيَّ g»[3]، مِن أصدق علامات محبة الله أنْ تحب كلام الله، وأنْ تقرأ في كلام الله b.

أيضًا عباد الله علينا أنْ ننتبه فلعل ليلةً مِن الليالي القادمة أنْ تكون هي ليلة القدر، خيرٌ مِن ألف شهرٍ، لعل الله أنْ يعتق رقابنا فيما تبقى مِن شهر رمضان، فأروا الله b مِن أنفسكم خيرًا.

 أيها الآباء شجعوا أولادكم على الخير، ذكروهم وأكثروا مِن الدعاء لهم في هذه الأيام بالصلاح والهداية والمعافاة والبعد عن المنكرات، فإنَّ بعض الآباء حريصٌ على أولاده يشجعهم على الخير، وبعض الأولاد إذا وجد مَن يشجعه على الخير بادر بالاستجابة، فيأجرك الله b مِن عدة جوانبٍ: أولًا أمرت أهلك بالخير، ثم دللت غيرك على الخير، فانتبهوا لأولادكم وحثوهم على الخير، فإنَّ في بعض شبابنا الخير العظيم.

اللهم وَفِّقنا لما تحبه وترضاه، وتقبَّل منا يا أرحم الراحمين.

 أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

 أما بعد؛ عباد الله وإنَّ مِن أعظم أبواب البر والتقوى في ختام شهر رمضان، وفيما تبقى مِن شهر رمضان أنْ نكثر مِن التقرب إلى الله b بعبادة الصدقة، تصدقوا ولو بدرهمٍ، ولو بأكثر مِن ذلك، بما ييسره الله b لك، وهذا بإذن الله b سينفعك إنْ وقفت بَيْنَ يدي الله c.

وأنبه عباد الله أنه في آخر شهر رمضان تجب علينا صدقةٌ واجبةٌ، فهي وإنْ سُمِيَت صدقةً هي في الشرع واجبةٌ، زكاة الفطر أو صدقة الفطر تُخرَج قبل العيد بيومٍ أو يومين، ومَنْ أخرجها في يوم الثلاثاء فقد أصاب بإذنِ الله b، وتجنَّبَ إنْ شاء الله تعالى تقديم زكاة الفطر.

تُخرَج صاعًا مِن الطعام، أي ما يُقَدَّر كيلوين ونصفٍ مِن الأرز أو ما شابه ذلك.

ومَن أخرجها مِن النقود فبعض أهل العلم يفتي بجواز هذا الأمر، وسُنَّة النبي g أنْ تُخرَج مِن الطعام، يخرجها الرجل عن نفسه وعن أهل بيته ومَن ينفق عليهم، فإذا كان عنده أربعة أولادٍ، فيخرج زكاة الفطر عن نفسه وعن زوجته وعن أولاده، وأما إذا كان أولاده يسكنون بعيدين عنه ولا ينفق عليهم فالأولاد يخرجون عن أنفسهم.

وكان السلف الصالح يستحبون إخراج زكاة الفطر عن الحَبَل، أي الجنين في بطن أمه، فإذا كانت زوجتك حاملًا أخرج عن الجنين زكاة الفطر.

ولا تجب زكاة الفطر إلا على المسلمين، فإذا كان عند الإنسان خادمةٌ غير مسلمةٍ لا تخرج عنها زكاة الفطر، والأصل أنَّ الخادمة المسلمة تخرج عن نفسها زكاة الفطر، فإذا أردت أنْ تخرج عنها زكاة الفطر فاستأذنها وأخبرها بذلك.

ومَن أخرج زكاة الفطر وأعطاها مِن الآن إلى الجمعيات الخيرية، وهي ستخرج زكاة الفطر قبل العيد بيومٍ أو يومين لا حرج عليك في ذلك.

وأُنَبِّه عباد الله أنك إذا أردت أنْ تخرج زكاة الفطر فأخرجها مِن الأرز الطيب، ولا مانع أنْ تعطي فقيرًا واحدًا جميع زكوات الفطر الواجبة عليك، فلو أخرجت زكاة عائلةٍ واحدةٍ، أي عائلتك لفقيرٍ واحدٍ فلا حرج عليك في ذلك.

وأُنَبِّه عباد الله أنَّ بعض الناس قد يتأخر في إخراج زكاة الفطر جدًا، حتى قال بعض موظفي الجمعيات الخيرية نتفاجأ أننا في الساعة الواحدة أو الثانية مِن ليلة العيد بأنْ جاء بعضهم ووضع أكياس الأرز عند باب الجمعية، لا يصلح هذا رعاك الله، انتبه واحرص على إخراجها بنفسك، أو وكّل الثقات تُصِب الأجر بإذن الله b.

اللهم وَفِّقنا لما تحبه وترضاه، واجعل أعمالنا خالصةً لوجهك الكريم، وتقبَّلْ منا يا أرحم الراحمين، اللهم تقبَّلْ منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا وركوعنا وسجودنا، وبَلِّغْنا ليلة القدر يا أرحم الراحمين، اللهم اجعلنا مِن عتقائك مِن النار يا أكرم الأكرمين، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأزواجنا وذرياتنا وعلمائنا ومشايخنا وحكامنا يا رب العالمين، اللهم وَفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه، وألبسه لبأس الصحة والعافية يا أرحم الراحمين، ووَفِّقه ونائبه وولي عهده وإخوانهم جميعًا لكل خيرٍ، وارزقهم البطانة الصالحة التي تعينهم على الخير، وتُحَذِّرهم من الشر يا رب العالمين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكانٍ، وانصر عبادك الموَحِّدين، اللهم أنزل علينا غيثًا مغيثًا سَحقًا غدقًا يا رزاق يا كريم، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم إنَّا نستغفرك إنك كنت غفارًا فأرسل السماء علينا مدرارًا.

 أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

¯¯¯


[1] أخرجه مسلم (2698).

[2] أخرجه الدارمي في سننه (3366)، وأبو إسحاق الختلي في المحبة (199).

[3] أخرجه الطبراني في الكبير (8676)، والبيهقي في شعب الإيمان (2017)، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (7: 342) عن ابن مسعود، وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات.